17. فريضَتا المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ

‘‘فاذهَبوا وتَلمِذوا جميعَ الأُمَمِ وعَمِّدوهُم باسمِ الآبِ والابنِ والروحِ القُدُس’’.
(متَّى 28: 19)

‘‘إنَّ الرَّبَّ يَسوعَ في اللَّيلَةِ التي أُسلِمَ فيها، أخَذَ خُبزًا وشَكَرَ فكسَّرَ، وقالَ: «خُذوا كُلوا هذا هو جَسَدي المَكسورُ لأجلِكُم. اصنَعوا هذا لذِكري». كذلكَ الكأسَ أيضًا بَعدَما تعَشَّوْا، قائلًا: «هذِهِ الكأسُ هي العَهدُ الجديدُ بدَمي. اصنَعوا هذا كُلَّما شَرِبتُمْ لذِكري»’’.
(1كورنثوس 11: 23-25)

يعتزُّ المؤمنون من مختلف الطوائف بفريضتَي المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ بصورةٍ أو بأُخرى. لكنْ تختلف المعتقدات المعمدانيَّة بخصوص المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ عن معتقدات الكثير من الطوائف الأُخرى، وهذه الاختلافات هي من مكوِّنات الوصفة التي تُميِّز المعتقدات المعمدانيَّة وممارساتها.

المعموديَّة والعشاء الربَّانيُّ رمزان

يستخدم المعمدانيُّون عادةً مصطلح ‘‘الفرائض’’ بدلَ ‘‘الأسرار المقدَّسة’’ عند الإشارة إلى المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ، وحتَّى إنْ كان مصطلح ‘‘الأسرار المقدَّسة’’ مستخدَمًا، فلا يُقصَد به بتاتًا أنَّ أيًّا منَ المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ ضروريٌّ لخلاص الإنسان. يُعلِن المعمدانيُّون باستمرارٍ أنَّ المعموديَّةَ والعشاء الربَّانيَّ رمزان غير ضروريَّين للخلاص، لكنَّهما جزءٌ مهمٌّ منَ العبادة والممارسة المعمدانيَّة.

لأنَّ المعموديَّةَ والعشاءَ الربَّانيَّ رمزان، فمنَ المهمِّ استخدام الرموز المناسبة، إذ ترمزُ المعموديَّة إلى موت يسوع المسيح ودفنه وقيامته، ما جعلَ من الخلاص أمرًا ممكنًا، كما ترمز أيضًا إلى أنَّ الشَّخص بالإيمان بالمسيح انتقلَ منَ الموت إلى الحياة، وأنَّه تمثَّل بموت المسيح وقيامته (رومية 6: 3-5؛ كولوسِّي 2: 12). يرمز تغطيسُ الشخص كلِّه في الماء إلى الموت والدَّفن والقيامة.

بالمثل، منَ المهمِّ استخدامُ العناصر الصحيحة في العشاء الربَّانيِّ مع الفَهم الذي يقدِّمه الكتاب المقدَّس له. صَنَعَ الربُّ يسوعُ العشاءَ الربَّانيَّ في العشاء الأخير مع تلاميذه بوصفه جُزءًا من عيد الفصح اليهوديّ (متَّى 26: 26-30؛ مرقس 14: 22-26؛ لوقا 22: 14-20).

كان الفطير وعصير العنب جُزءًا منَ الوجبة، وأشارَ يسوع إلى أنَّ الخُبزَ يرمز إلى جسده وعصير العنب إلى دمه. ويرمز الفطير إلى نقاء المسيح وطهارته؛ لأنَّه كان بلا خطيَّة (عبرانيِّين 4: 15)، ومن ثَمَّ كان جسدُه ذبيحةً بلا عَيب قدَّمها عن خطايانا، وعصير العنب المسحوق يرمز إلى الدم الذي سفكَه المسيح لأجلنا. وعند تناوُل الخبز، والشُّرب مِن الكأس، يجب أن يتذكَّرَ تلاميذُ المسيح ذبيحتَه على صليب الجلجثة عندما قدَّم جسدَه وسفكَ دمَه لأجل خطايانا. ويؤمنُ المعمدانيُّون بأنَّ الكتاب المقدَّس يُعلِّمنا أنَّ العنصرَين المستخدمَين في العشاء الربَّانيِّ ليسا حرفيًّا جسدَ المسيح ودمه، بل هُما رمزان لجسده ودمه. وعند تناوُل الخبز والشُّرب من الكأس، لا يشترك الشخص في جسد المسيح ودمه، بل يقتنص الفرصة لطاعة وصيَّة المسيح وتذكُّر ذبيحته لأجلنا، وحضوره معنا، ومجيئه الأكيد (1كورنثوس 11: 24-28).

المعموديَّةُ والعشاءُ الربَّانيُّ ليسا مجرَّد رمزَين

الاعتقاد أنَّ العشاءَ الربَّانيَّ والمعموديَّة رمزان لا يعني أنَّ المعمدانيِّين يعتقدون أنَّهما غير مهمَّين؛ لأنَّ المعمدانيِّين يعتقدون أنَّ لكلَيهما أهمِّيَّةً كُبرى. وترجع أهمِّيَّتهما إلى أصلهما الإلهيّ، وهاتان الفريضتان ليسَتا من صُنْع البشر، بل أعطاهما الله لنا ليُساعدَنا على إعلان رسالة الإنجيل ومشاركته (1كورنثوس 11: 26)، وتحفيزنا حتَّى نعيش الحياة المسيحيَّة (1كورنثوس 10: 16-33، 11: 29).

يوفِّرُ عمل المعموديَّة فرصةً للشَّخص الذي اعتمدَ بالماء أن يشهدَ علانيةً أنَّه وثقَ بيسوع ربًّا ومخلِّصًا، واختبرَ مغفرةَ الخطيَّة. ويُمكن أن يستفيدَ الشخص الذي يُعمِّد، ويشرحُ طبيعةَ الخلاص ومعنى المعموديَّة.

يوفِّر العشاءُ الربَّانيُّ فرصةً لكلٍّ من الكرازة والنموِّ المسيحيّ، كما يؤكِّد على نحوٍ مؤثِّرٍ أنَّ محبَّة الله هي التي قادَتْ يسوعَ لأنْ يُقدِّمَ نفسَه ليكونَ ذبيحةَ خطيَّة. ويُوفِّر العشاءُ الربَّانيُّ للمؤمنين وقتًا للشركة الخاصَّة مع الربّ، والتعبير عن شكرنا لذبيحتِه التي تُمكِّننا مِن نَيلِ الغفران لخطايانا، وهكذا يُشارُ إلى العشاء الربَّانيِّ أيضًا على أنَّه شركة.

المعموديَّة والعشاء الربَّانيُّ يرتبطان بالمعتقدات الأُخرى للمعمدانيِّين

المعتقدات المعمدانيَّة عن المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ ليسَتْ قائمةً بذاتها، بل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمعتقداتٍ ثمينةٍ أُخرى.

منَ الواضح أنَّ فريضتَي المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ مرتبطتان بعضهما ببعض، ويعتقد المعمدانيُّون أنَّ العشاءَ الربَّانيَّ يجب أن يتناولَه فقط المولودون ثانيةً الذين اعتمدوا بالماء، ويبنون معتقداتهم على الكتاب المقدَّس بما في ذلك المعتقدات حول المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ، ويُسجِّلون أنَّ كنائسَ العهد الجديد تُمارِس المعموديَّة والعشاء الربَّانيَّ بهذا الترتيب وبوصفهما رمزَين. كانت هذه الكنائس تتكوَّنُ من أشخاصٍ نالوا الخلاصَ بالفعل واعتمدوا بالماء، ويعتقد المعمدانيُّون أنَّ هذا النموذج نفسَه يجب اتِّباعه اليوم.

يؤمنُ المعمدانيُّون بربوبيَّة المسيح ويبنون معتقداتهم عن المعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ على تعاليم يسوع المسيح، وكثيرًا ما يستخدمون كلمة ‘‘فرائض’’ للإشارة إليهما لأنَّ يسوعَ نفسَه أوصى، أو أمر، بهما (متَّى 28: 19؛ لوقا 22: 19؛ 1كورنثوس 11: 24-25). يؤكِّدُ المعمدانيُّون أنَّ الخلاصَ بنعمة الله بالإيمان بالمسيح وحده، وليس بالأعمال أو الطُّقوس (أفسس 2: 8-9)، ويعلِّمون أنَّ المعموديَّةَ والعشاءَ الربَّانيَّ ليسا ضروريَّين للخلاص مع أهمِّيَّتهما.

لا توجدُ حاجةٌ إلى فئةٍ من الكهنة تمارسُ المعموديَّة أو تصنع العشاء الربَّانيّ؛ لأنَّ الكتاب المقدَّس يُشير إلى أنَّ جميع المؤمنين في المسيح أصبحوا كهنة (1بطرس 2: 5؛ رؤيا 5: 10). رغم أنَّ راعي الكنيسة عادةً ما يُعمِّد الأشخاص بالماء، ويقود العشاء الربَّانيّ، فإنَّ أيَّ عضوٍ تُعيِّنه الكنيسة يُمكن أن يفعلَ ذلك. في العشاء الربَّانيّ، كلُّ كاهنٍ مؤمنٍ، وليس الشخص الذي يقود العشاء الربَّانيّ، يُمكن أنْ يُقسِّم الخبزَ ويُوزَّعه، ويُمرِّر الكأس.

ترتبط حرِّيَّة النفس بالمعموديَّة والعشاء الربَّانيِّ في أنَّ مشاركةَ الشخص في كلٍّ منهما يجب أن تكون طوعيَّةً دون أيِّ إجبار. وقد دافعَ المعمدانيُّون باستمرارٍ عن حرِّيَّةِ الدين مصرِّين على عدم إكراه أحدٍ على المشاركة في أيِّ عملٍ دينيٍّ كالمعموديَّة أو العشاء الربَّانيّ.

ترتبط الإدارة الجماعيَّة والاستقلالُ الذاتيُّ للكنيسة وخضوعها لربوبيَّة المسيح وسيادته بفريضتَي المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ. ومن جهةِ المعموديَّة، من حقِّ كلِّ كنيسةٍ معمدانيَّةٍ أن تُحدِّد زمان إجراء المعموديَّة ومكانها. أمَّا من جهة العشاء الربَّانيّ، فتُحدِّد كلُّ جماعةٍ الشخص الذي يقود العشاءَ الربَّانيَّ وعددَ مرَّات إقامته والأشخاص المدعوِّين للمشاركة فيه. وتقصرُ بعضُ الكنائس العشاءَ الربَّانيَّ على أعضاء الكنيسة، في حين تدعو كنائس عدَّة أعضاء الكنائس الأخرى الذين لهم ‘‘الإيمان والنِّظام’’ ذاتهما للمشاركة في العشاء الربَّانيّ. ويسمحُ بعض الأشخاص لجميع المؤمنين المعمدانيِّين، في حين أنَّ القليلَ من الكنائس يُعطي الفرصة لجميع من يؤمن بالمسيح ربًّا ومخلِّصًا للمشاركة في العشاء الربَّانيّ.

الخلاصة

يؤمنُ المعمدانيُّون بأنَّ يسوع أعطى الكنيسة أن تُنفِّذ فريضتَين هما المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ. وكلتا الفريضتَين رمزيَّتان ولهما أهمِّيَّة كبيرة؛ لأنَّهما ترمز إلى رسالةِ الإيمان المسيحيِّ التي تُقدِّم النعمة والخلاص. وترتبط كلتا الفريضتَين بالعقائد المعمدانيَّة الأساسيَّة الأُخرى.

‘‘نُؤمن بأنَّ المسيح تركَ لكنيسته فريضتَين مقدَّستَين عليها أن تحفظهما: المعموديَّة والعشاء الربَّانيّ. ومؤهِّلاتُ الكتاب المقدَّس للمعموديَّة هي التوبة والإيمان، والطريقة الوحيدة لإجرائها هي التغطيس في الماء. والمعموديَّةُ هي شرطٌ أساسيٌّ للعشاء الربَّانيّ’’.
المادَّة الثامنة من موادِّ الإيمان لجمعيَّة الاتِّحاد المعمدانيِّ لعام 1840م