16. التعاونُ الطوعيُّ المعمدانيّ: التحدِّيات والمزايا

‘‘فإنَّنا نَحنُ عامِلانِ مع الله’’.
(1كورنثوس 3: 9)

وَصَفَ جيمس سوليفان، القائدُ المعمدانيُّ المميَّز على مدار وقت طويل، التعاونَ الطوعيَّ المعمدانيَّ بأنَّه حبلٌ من رمالٍ بقوَّةِ الفولاذ. ورغم هشاشته، فهو فعَّال جدًّا، حيث ساعدت مزايا التعاون الطوعيِّ عددًا كبيرًا منَ الكنائس المعمدانيَّة في الحفاظ عليه وتقوِيَته في مواجهة العقبات والتحدِّيات.

معوِّقات التعاون الطوعيّ

لماذا استغرقَ المعمدانيُّون عقودًا لتطوير التعاوُن الطوعيِّ المكثَّف ما بين الكنائس والمنظَّمات المعمدانيَّة الأُخرى؟ نجد الإجابةَ متأصِّلةً في التاريخ المعمدانيِّ والمعتقدات. يؤمنُ المعمدانيُّون بأنَّ الكتاب المقدَّس هو السُّلطة التي تستند إليها عقائدُ الكنيسة وممارساتها. ويؤكِّد بعض المعمدانيِّين أنَّ الكتاب المقدَّس لا يُقدِّم أيَّ تنظيمٍ للمؤمنين سوى جماعةِ المؤمنين المحلِّيَّة، وتمنع هذه القناعة أولئك المعمدانيِّين من تأسيس المنظَّمات المعمدانيَّة الأُخرى ودعمها بعيدًا عن الكنيسة المحلِّيَّة.

أكَّد المعمدانيُّون أنَّ الكتابَ المقدَّس يُحدِّد المبدأ والمثال اللازمَين للتعاوُن الطوعيِّ ما بين الكنائس (أعمال 15؛ 2كورنثوس 8-9، 2: 1-10؛ رؤيا 1-3)، وهؤلاءِ المعمدانيُّون على استعدادٍ لتأسيس الجمعيَّات والمجتمعات والطوائف للتَّركيز على الإرساليَّات والتعليم والعمل الخيريّ.

تواجِهُ عقبةٌ أُخرى التعاونَ الطوعيَّ ما بين المعمدانيِّين، وهي الالتزام القويُّ تُجاهَ الاستقلال الذاتيِّ للكنيسة المحلِّيَّة، إذ كان الكثيرُ من المعمدانيِّين يخشَون أن تحاوِلَ المنظَّمات، التي أسَّسوها خارج إطار الكنائس، ممارسةَ السُّلطة على الكنائس، ومن ثَمَّ أكَّدوا مبدأَ الاستقلال الذاتيِّ بدلَ التعاوُن. وهكذا أسهمَ اكان التشديد أن تكون علاقة الكنيسة بأيَّة منظَّمةٍ خارج الكنيسة المحلِّيَّة علاقةً طوعيَّةً في إزالة عقبة الاستقلال الذاتيّ. ومع وجود هذا الضَّمان، كان الكثيرُ من المعمدانيِّين والكنائس على استعدادٍ لتأسيس منظَّمات لأسبابٍ مختلفة.

كانت العقبةُ الأُخرى هي التنوُّع ما بين الكنائس المعمدانيَّة، والمنافسة بينها أيضًا. وهذه العوامل لا تزال تمنعُ بعض الكنائس من التعاوُن معًا. غير أنَّ الكثيرَ منَ الكنائس باتَتْ مستعدَّةً للتعاوُن الطوعيِّ ما دامَتِ القناعاتُ الأساسيَّةُ لم تتعرَّضْ للمَساس، وذلك بغيةَ تقدُّم الكرازة والإرساليَّات والتعليم والعمل الخيريّ.

مزايا التعاوُن الطوعيّ

بمجرَّد إزالة المعوِّقات التي تواجِهُ التعاوُنَ الطوعيّ، بدأ المعمدانيُّون بتأسيس الكِيانات، مثل الجمعيَّات والطوائف لتوفير وسائل للكنائس تُساعدها على التعاوُن؛ فمنذ البداية، لم تؤسَّسْ هذه المنظَّمات حتَّى تخدمَها الكنائس، بل لتخدِمَ هي الكنائس. تكوَّنَتِ المنظَّمات والطائفة في الأصل لخدمة الكنائس وتقديم وسيلةٍ لها للعمل معًا لتقدُّم قضيَّة المسيح. ويُمكِّنُ التعاوُن الطوعيُّ الكنائسَ مِن فعل الكثير معًا مِن أجل قضيَّة المسيح أكثر ممَّا تستطيع كلُّ كنيسةٍ أن تفعلَه بمفردها.

في وقتٍ لاحق، وضعَتِ الجمعيَّات والطوائف وسائلَ لمساعدة الكنائس على تنفيذ خدماتها المحلِّيَّة. علاوةً على ذلك، يُمكن أن يُساعدَ التعاوُن الطوعيُّ الكنائسَ التي تواجه صعوباتٍ مثل الصراع الداخليِّ والأزمات الماليَّة، ويُمكن أن تطلبَ الكنيسة في هذه الحال مساعدةً من جمعيَّةٍ أو طائفةٍ دون أن تفقدَ استقلالَها الذاتيّ.

يُمكن أن يستفيدَ الأفراد، كالرُّعاة والأعضاء الخدَّام في الكنيسة، من التعاوُن الطوعيّ. وتقدِّم الطائفةُ الضمانَ وأشكالًا معيَّنة من المساعدة في بعض الحالات لأولئك المفصولين من وظائفهم، أو العاطلين من العمل، وهذا الأمر اختياريٌّ دائمًا وليس شيئًا عليها فعله.

يُمكن أيضًا أن تستفيدَ المؤسَّساتُ المعمدانيَّة من التعاوُن الطوعيّ؛ فالعلاقة الاختياريَّة بجمعيَّةٍ أو طائفةٍ تُقدِّم قاعدةً عريضةً من الدعم تُمكِّنها منَ الحصول على المزيد من الاستقرار والقوَّة أكثر ممَّا تمتلكه بوصفها منظَّماتٍ مستقلَّةً تمامًا.

من الممكن أن تستفيدَ الطائفة المعمدانيَّة من نقاط القوَّة التي تتمتَّع بها المؤسَّساتُ وجماعاتُ المؤمنين المختلفة. وتمكِّنُ هذه القاعدةُ العريضةُ من المشاركة المعمدانيِّين من الخدمة بمزيدٍ من الفاعليَّة أكثر ممَّا يُمكنهم فعله بطريقةٍ أُخرى، وهكذا يُمكن أن يستفيدَ عددٌ كبيرٌ من الأشخاص داخل الطائفة المعمدانيَّة وخارجها من التعاوُن الطوعيِّ المعمدانيّ.

تحدِّياتٌ تواجِهُ التعاوُن الطوعيّ

مع أنَّ مزايا التعاوُن الطوعيِّ ما بين المعمدانيِّين كبيرة، فإنَّ المعوِّقات والتحدِّيات لا تزال قائمة. وفي ما يأتي بعضُ التحدِّيات التي يذكُرها متابعو الحياة المعمدانيَّة:

  • يعتقد بعض الأشخاص أنَّ الطوائف أمرٌ من الماضي، ويحسبونَ الطوائف المعمدانيَّة عتيقةً ومتعبة. وكثيرًا ما يرَون أنَّ السمات المعمدانيَّة المميَّزة ليست كذلك، لذا لا يرَون سببًا وجيهًا للتعاوُن مع الطوائف مع أنَّ هناك تعاوُنًا ما بين مجموعاتٍ متوافقةٍ تنجذب بعضها إلى بعض، كالمجموعات التي تكوَّنتْ بناءً على توافُقها حول أساليب العبادة أو السِّمات الثقافيَّة.
  • تأسيس عددٍ ممَّا يُسمَّى المنظَّمات غير الطائفيَّة (التي لا تتبع كنيسة)، والكثير من هذه المنظَّمات يعمل بفعَّاليَّة، وهي تتألَّفُ عمومًا من أشخاصٍ من طوائف مختلفة، وتُزوِّد الكنائسَ بوسائلَ تُساعدُها في الخدمة، وتتعاوَن مع مؤمنين آخرين في الإرساليَّة وجهود الخدمة بعيدًا عن الطائفة.
  • ظهورُ ما يُعرَف بالكنائس الضخمة التي يُمكنها أن تفعلَ بمفردِها الكثير من الأمور التي من أجلها نشأت الجمعيَّات والطوائف. أيضًا لا تحتاج هذه الكنائس إلى معظم المساعدات والخدمات التي تُقدِّمها الجمعيَّات والطوائف، ومن ثَمَّ لا يشاركُ عددٌ من هذه الكنائس في التعاوُن الطوعيِّ المعمدانيّ.
  • الصراعُ المستمرُّ في الطائفة ما بين المعمدانيِّين، إذ تُشير بعض الكنائس إلى أنَّها لا تودُّ الانزلاقَ في الصراع ما بين الطوائف المختلفة والمجموعات الطائفيَّة، لذلك تنسحبُ منَ التعاوُن ما بين الطوائف.
  • الضَّغط على الكنائس والكِيانات الأُخرى مِن هيئاتٍ طائفيَّة كي تتوافَق وتتعاون معها، إذ تُضعِف الطبيعة الاختياريَّة للتعاون- سواء كان ذلك بسبب الضغط الذي يُمارس لاستخدام مطبوعاتٍ معيَّنة أم اتِّباع نموذجٍ معيَّنٍ- الدَّعمَ الماليَّ أو الاشتراك في إقرار الإيمان العقائديّ.
  • الاستقلالُ الماليُّ المتزايد لمنظَّماتٍ طائفيَّة مختلفة؛ إذ قد تبتعد المؤسَّسات عن الطائفة؛ لأنَّها كانت تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدَّعم التعاونيّ، لكنَّها أصبحت أكثر قدرةً على العمل دون حاجةٍ إلى هذا الدعم.
  • مفهوم أنَّ الجمعيَّة أو الطائفة مسؤولةٌ عن مساعدة الكنيسة في تنفيذ خدمتها المحلِّيَّة؛ إذ يُمكن أن يقودَ توجُّه مثل ‘‘ماذا فعلت لنا في الآونة الأخيرة؟’’ إلى مشاركةٍ أقلَّ في التعاوُن الطوعيِّ المعمدانيِّ عند عدم تلبية توقُّعات الكنيسة.

ردودٌ على تحدِّيات التعاوُن الطوعيّ

يبدو أنَّ التحدِّيات التي تُواجِه التعاوُن الطوعيَّ هائلة، ومن الأفضل الردُّ على هذه الاعتراضات وشرح مزاياها بدلَ تجاهُلها.

يُمكن الردُّ البنَّاء على الاعتراضات بالقول إنَّ بعضَ الكنائس يجب أن تتعاوَن على مستوى الطائفة. وفي ما يلي بعض الأساليب الممكنة للردِّ على ذلك:

  • يُمكنُ أن تكونَ الكنائسُ جزءًا من الحركة النَّشِطة لتلمذة آخرين ومساعدتهم على النُّضج في المسيح وخدمة الآخرين باسمِه بواسطة المشاركة في جهود التعاوُن الطوعيِّ للمعمدانيِّين.
  • يُمكن أن تُساعد الكنائس الكبرى باستمرارِ التعاوُن في توفير وسائل للكنائس الصُّغرى حتَّى تتمتَّع بمزايا ذلك التعاوُن.
  • يُمكن أن تتجاوَبَ الكنائس تجاوُبًا بنَّاءً مع الصراع بالمشاركة في التعاوُن الطوعيِّ المعمدانيّ.
  • حيث إنَّ الكنائسَ هي جُزءٌ من التعاون الطوعيِّ المعمدانيّ، فإنَّ في وُسعها أنْ تُظهِرَ أنَّ هذا التعاوُن ليس فقط عمَّا تتلقَّاه الكنيسة، بل أيضًا ما تقدرُ أن تُسهِم به في الكرازة والإرساليَّات والعمل الخيريّ.
  • الإشادة بحماسةٍ بمزايا التعاوُن الطوعيّ، إذ تُساعد الخدمات المعمدانيَّة في الإرساليَّات والتعليم والعمل الخيريِّ ملايين الأشخاص كلَّ عامٍ بِاسْم المسيح. وتشتركُ الكنائسُ في الإرساليَّات والخدمات أكثر بكثيرٍ ممَّا تستطيع فعلَه بمفردِها.

الخلاصة

التعاوُنُ الطوعيُّ هو حقًّا حبلٌ مِن رمالٍ بقوَّةِ الفولاذ، وهو حبلٌ فعَّالٌ على نحوٍ رائع. بواسطة التعاون الطوعيّ، تستطيع الكنائس المعمدانيَّة الحفاظ على استقلالها الذاتيّ، والاستمرار بخدمةٍ فعَّالةً للعالم بِاسْم المسيح.

‘‘تذكَّرْ أنَّنا، نحن المعمدانيِّين، لا نختلف في الموادِّ العظيمة عن إيماننا وممارستنا. فإذا تمسَّكتْ كنائسُنا الصغيرة بالأمور غير الضروريَّة، ظلَّتْ منفصلةً ومفكَّكةً ما قد يُعرِّضُها للفناء’’.

رسالةٌ دوريَّةٌ تعود إلى عام 1840م موجَّهةٌ إلى المعمدانيِّين في تكساس
بقلم/ روبرت إيميت بايلور
بطلبٍ مِن جمعيَّة الاتِّحاد المعمدانيّ