10. المعمدانيُّون: استمرارُ عضويَّة الكنيسة في خطر

‘‘فإنَّكُمْ تعلَمونَ هذا: أنَّ كُلَّ زانٍ أو نَجِسٍ أو طَمَّاع- الذي هو عابِدٌ للأوثان- ليس لهُ ميراثٌ في ملكوتِ المَسيح والله’’.
(أفسس 5: 5)

يبدو نموذجُ كنيسة المؤمنين بارزًا للعِيان باستمرارٍ في اعترافات الإيمان المعمدانيّ، إذ لم يتمسَّك اللاهوتيُّون والرُّعاة وغيرهم منَ القادة المعمدانيِّين على مرِّ القرون بأيِّ نموذجٍ آخر سوى شركةِ الكنيسة للمولودين ثانية. وقد يكون هذا أمرًا مثاليًّا، لكن يبقى السؤال: أهو واقعيّ؟

هل تظهر أدلَّةٌ على تراجُع في عضويَّة الكنيسة؟

قال المؤرِّخ المعمدانيُّ البارز وليم إستيب: ‘‘المعمدانيُّون في الولايات المتَّحدة معرَّضون على نحوٍ خَطِرٍ لأن يفقدوا إصرارَهم ومثابرتَهم على عضويَّة الكنيسة لمن نالوا التجديد (الولادة الثانية)’’.

يتَّفقُ بعض الملاحظين الآخرين للحياة المعمدانيَّة مع ما قاله وليم إستيب ويستشهدون، لإثباتِ هذا الاستنتاج، بعواملَ أُخرى مثل العدد الهائل من أعضاء الكنيسة المعمدانيَّة غير المقيمين في المنطقة، وأيضًا سِمات الكثير منَ الأعضاء المقيمين في المنطقة، لكنَّهم لا يُشاركون في حياة الكنيسة، ولا يقدِّمون سوى قدرٍ ضئيلٍ منَ الدعم الماليّ، ويُظهِرون القليلَ من الالتزام تُجاهَ الكرازة والإرساليَّات والخدمة، ويعيشون أسلوبَ حياةٍ يتعارَضُ مع تعاليم يسوع. قد ترجع بالتأكيد بعض هذه العوامل إلى أحوالٍ أُخرى غير تراجُع طلب عضويَّة الكنيسة، ومن هذه العوامل، نذكر ‘‘الارتداد’’، أو ربَّما عدم النُّضج في الإيمان (1كورنثوس 3: 1-3؛ أفسس 4: 11-16). غير أنَّ من المؤكَّد أنَّ الكثيرَ من أعضاء الكنيسة أتباع رائعون ومخلِصون للمسيح، ويبدو أنَّ هذه العوامل لن تكونَ موجودةً بكثرةٍ إذا كان أعضاءُ الكنيسة مولودين ثانيةً بالفعل.

لماذا تآكلَ نموذج طلبُ العضويَّة في الكنيسة؟

رغم وجود مثل هذه الأوضاع بصورةٍ أو بأخرى منذ أزمنة العهد الجديد، فإنَّ هذه الأدلَّة تُشير إلى أنَّها مستمرَّةٌ في الحدوث على نحوٍ متزايد، كما أنَّه لا يوجدُ تفسيرٌ بسيطٌ لهذا التآكُل الواضح لطلبِ عضويَّة الكنيسة؛ إذ قد تختلف الأسباب من كنيسةٍ إلى أُخرى، علاوةً على أنَّ التأثيرَ ليس متساويًا في جميع الكنائس.

يبدو أنَّ أحدَ العوامل التي تُسهِم في هذا التآكُل هو الموقف المتساهِل والسَّائد في ثقافتنا اليوم. في حياة الكنيسة، يمكن ترجمة هذا الموقف بأنَّه ‘‘ليس من الصَّواب عندي الحُكم على ما إذا كان أحدُ الأشخاص قد نالَ الخلاص أو فقده، ومدى إمكانيَّة قبوله في عضويَّة الكنيسة’’. ونتيجة ذلك، تقبلُ بعض الكنائس أشخاصًا في عضويَّتها بعد القليل من النقاش العميق أو حتَّى دون نقاشٍ حول طبيعة الخلاص وعضويَّة الكنيسة. ويُعدُّ مثل هذا النقاش مهمًّا؛ لأنَّ الخلاصَ أهمُّ من عضويَّة الكنيسة، ويجب منَ الناحية المثاليَّة أن يسبقَ دائمًا عضويَّةَ الكنيسة؛ لأنَّ أيَّ شخصٍ يستطيعُ أن يعرفَ كلَّ الحقائق عن يسوع و‘‘الإجابات الصحيحة’’ عن الخلاص (المعرفة العقليَّة) دون أن يختبرَ حقًّا عطيَّة نعمة الخلاص في المسيح (المعرفة القلبيَّة).

لذا يجب تقييم الحالة الروحيَّة للآخرين بروح الصلاة والتواضُع والتأنِّي والدراسة، وقد حذَّرَ الربُّ يسوعُ من إدانة الآخرين عندما تكون خطايانا كثيرة (متَّى 7: 1-5؛ يوحنَّا 8: 1-11).

منَ الواضح أنَّ النهجَ الفَرِّيسيَّ القاسيَ والناموسيَّ الذي يعكس فكرةَ ‘‘أنا أكثر قداسةً منك’’ لا يُسهِم بتاتًا في تقدُّم قضيَّة المسيح. من ناحيةٍ أُخرى، عدم الاهتمام بتركيز الكتاب المقدَّس على أهمِّيَّة شركة الولادة الثانية التي تتمسَّك بتعاليم المسيح يضرُّ أيضًا بقضيَّة المسيح (1كورنثوس 5: 9-13؛ أفسس 5: 1-7، 27؛ 2تسالونيكي 3: 14-15؛ رؤيا 2: 18-22).

تُضيف طبيعة المجتمع المعمدانيِّ إلى التحدِّي الذي يواجه الحفاظ على عضويَّةٍ متجدِّدة؛ فمثلًا، يمكن معرفة القليل عن الأشخاص الذين يسعَون إلى عضويَّة الكنيسة في مجتمعنا الذي يتَّسم بأنَّه شديدُ التنقُّل والتمدُّن، إضافةً إلى عدم الاطمئنان من جانب أعضاء الكنيسة في ما يتعلَّق بإدانة الآخرين، وهو ما يخلقُ احتماليَّة قبول الأشخاص الذين لم ينالوا الفداء في عضويَّة الكنيسة.

يستشهد بعض الأشخاص بسببٍ آخر يتمثَّلُ في الضَّغط الناتج من الحجم المتزايد لعضويَّة الكنيسة. ولاحظَ سي. كولتون من منظورٍ راعويٍّ طويلِ المدى ذلك قائلًا: ‘‘إنَّ أساليبَ الضغط الشديدة التي مارسَها بعض المتشدِّدين مِن أصحاب النيَّات الحسنة في الكرازة أنتَجَتْ قراراتٍ بانضمامِ أشخاصٍ إلى الكنيسة دون تمتُّعهم بإيمانٍ حقيقيّ’’.

 

قد تكون أيضًا معموديَّة الصِّغار وانضمامهم إلى عضويَّة الكنيسة أحد الأسباب، وقد يطلب بعض الأطفال أن يعتمدوا بناءً على أسبابٍ خاطئة، ويُمكنُ أن يحدثَ ذلك مع أيِّ شخص، لكن يبدو أنَّ الأطفالَ يرغبون في المعموديَّة؛ لأنَّ أصدقاءهم اعتمدوا بالماء، أو لأنَّهم يتعرَّضون لضغطٍ منَ الأهل أو معلِّمي مدارس الأحد كي يعتمدوا. قد يستوعب جيِّدًا بعض الأطفال أنَّهم يحتاجون إلى يسوع مخلِّصًا شخصيًّا بسبب خطاياهم، لذا عندما يطلبُ الأطفالُ المعموديَّة، فإنَّهم يحتاجون إلى مشورة نُقدِّمها إليهم بكلِّ عنايةٍ ودقَّة.

سبقَ أن واجهَتْ كنائسُ معمدانيَّةٌ في الماضي أعضاءً بشأن سلوكهم الذي يُخالف الحياة المسيحيَّة، وكان هؤلاء الأشخاص يُعزلون من عضويَّة الكنيسة إنْ لم يتوبوا، ويُمكن الاستشهاد بالكثير من آيات الكتاب المقدَّس التي تدعم هذا الإجراء، مثل متَّى 18: 15-20؛ 1كورنثوس 5: 9-13. واليوم تتَّجه الكنائس عمومًا إلى التركيز على العظات الكرازيَّة والتلمذة والنموِّ المسيحيِّ مقتبسةً نصوصًا مثل ما ورد في غلاطِيَّة 6: 1؛ أفسس 4: 1-5: 21؛ يعقوب 5: 19-20. ويتمثَّلُ الهدف في كلا النَّهجَين في استمرار عضويَّة الكنيسة.

لماذا يُعدُّ مقلِقًا التراجُع في طلب عضويَّة الكنيسة؟

التراجُع الواضح في طلب عضويَّة الكنيسة مقلقٌ لأسباب عدَّة؛ فإهمالُ التعاليم المهمَّة للكتاب المقدَّس عن أهمِّيَّة عضويَّة الكنيسة قد يُشير إلى عدم الالتزام تُجاهَ سُلطة الكتاب المقدَّس.

أصرَّ المعمدانيُّون أن تُعبِّرَ الكنيسةُ عن الشَّرِكة ما بين الكهنة المؤمنين، كما أنَّ النموَّ في الإيمان يُمكن أن يُحقِّقَ استفادةً كبيرةً من الشركة الموجودة مع الكهنة المؤمنين الآخرين، وعندما لا تتكوَّن عضويَّة الكنيسة من الكهنة المؤمنين، قد لا تقود الشَّرِكة إلى التلمذة المسيحيَّة كما ينبغي، وبهذا يُعاني جميع الأعضاء.

وقد أصرَّ المعمدانيُّون أيضًا على أنَّ المسيحَ ربٌّ ليس فقط للأفراد، بل أيضًا للكنائس. ويجب أن تكون إدارة الكنيسة المعمدانيَّة على يدِ الأعضاء في خضوعٍ لربوبيَّة المسيح. إذا لم يعترف الأعضاء بالمسيح ربًّا، فإنَّ القرارات ستُتَّخذُ بعيدًا عن مشيئة المسيح، ما يعني أنَّ الكنيسةَ ستُصبح أكثرَ عَلمانيَّةً ودنيويَّة، ولن تهتمَّ مثل هذه الكنيسة الدنيويَّة على الأرجح بالأهداف الأساسيَّة التي تركِّزُ عليها الكنيسة، كالكرازة والإرساليَّات والخدمة، ومن ثَمَّ لن تتحقَّقَ بعض الأهداف التي تركِّزُ عليها الكنيسة، وتهتمُّ بها، وتعكس سببَ وُجودها حاليًّا.

ما الذي يُمكن فعله حتَّى تكون تستمرَّ الكنيسة في منح العضويَّة؟

يمثِّلُ الوصول إلى كنيسةٍ مولودةٍ ثانيةً تحدِّيًا كبيرًا، لكنَّ بعض الأمور يُمكن أن تتحقَّقَ بالصَّلاة التي تُعدُّ عنصرًا أساسيًّا في جميع ما يتحقَّق. يجب أن تؤكِّدَ الكنيسةُ أهمِّيَّة أن تكونَ العضويَّة من المولودين ثانيةً، وأنَّ اختبارَ الخلاص يجب أن يسبقَ دائمًا عضويَّة الكنيسة، وعلى كلِّ شخصٍ يجب أن يتحمَّلَ مسؤوليَّةَ تقييم حالته الرُّوحية، ويجيب عن أسئلةٍ مثل: ‘‘هل اختبرتَ حقًّا الخلاص بالإيمان بالمسيح؟’’ ‘‘هل ينمو إيمانك؟’’ ويجب أن نحثَّ الأشخاص على طلب المشورة الروحيَّة إذا كانت إجاباتهم ‘‘لا’’.

يجب أن تؤسِّسَ الكنيسةُ عمليَّةً تتَّسمُ بالمحبَّة والتمييز والبصيرة وتُسهِم في تقييم ما إذا كان الأشخاصُ طالبي العضويَّة يقدِّمون دليلًا على أنَّهم مولودون ثانية، ويجب أن تحافظَ الكنيسةُ أيضًا على تقديم دروسٍ فعَّالةٍ للأعضاء المحتمَلين والجدد كي يتعلَّموا خُطَّةَ الخلاص وأهمِّيَّة النضج المسيحيِّ والتوقُّعات المنتظَرة من أعضاء الكنيسة، ويجب أن تكونَ هذه الدروسُ للذين ينضمُّون إلى الكنيسة بإعلان الإيمان، وأيضًا لأولئك الذين ينضمُّون إلى الكنيسة بواسطة ‘‘خطاب’’ أو ‘‘بيان’’.

الخلاصة

يجب أن نبذلُ قُصارى جَهدنا بمعونةٍ من الله لتحقيق قَصْدِ الكتاب المقدَّس من وُجودِ كنيسةٍ مولودةٍ ثانية، وسيؤدِّي الفشل في المحاولة إلى عواقبَ وخيمةٍ على الأفراد والكنائس، وعلى تقدُّم قضيَّة المسيح.

‘‘المعمدانيُّون في الولايات المتَّحدة معرَّضون على نحوٍ خَطِر أن يفقدوا إصرارَهم ومثابرتَهم على استمرار منح عضويَّة الكنيسة’’.
وليم إستيب
اقتباسٌ من ‘‘لماذا المعمدانيُّون؟’’