12. تحدِّياتٌ تواجِهُ الإدارةَ الجماعيَّة للكنيسة المعمدانيَّة

‘‘لا شَيئًا بتحَزُّبٍ أو بعُجبٍ، بل بتواضُعٍ، حاسِبينَ بَعضُكُم البَعضَ أفضَلَ مِنْ أنفُسِهِمْ’’.
(فيلبِّي 2: 3)

تُعدُّ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة الخاضعة لربوبيَّة المسيح نظامًا معمدانيًّا أساسيًّا يستند إلى تعاليم الكتاب المقدَّس. غير أنَّ هذا النظامَ المثاليَّ يُواجهُ اليومَ الكثيرَ منَ التحدِّيات.

أسبابٌ واضحةٌ تُضعفُ الإدارةَ الجماعيَّة للكنيسة

يذكُر متابعو حياة الكنيسة المعمدانيَّة عددًا من العوامل التي تفحصُ طريقةَ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة. في بعض الكنائس نموذجُ عملٍ جماعيّ، ويعمل راعي الكنيسة كأنَّه رئيسٌ تنفيذيٌّ لديه القدرةُ على اتِّخاذ قراراتٍ مفصليَّةٍ أحاديَّة تتعلَّق بالشؤون الماليَّة للكنيسة والعاملين المتفرِّغين فيها، وبرامجها، وربَّما يحدِّد أحيانًا المؤهِّلات اللازمة للانضمام إلى تلك الكنيسة. وفي بعض الكنائس الأُخرى، تُديرُ شؤون الكنيسة مجموعةٌ منَ الشَّمامسة أو الشُّيوخ الذين يعملون بما يُشبه مجلس إدارةِ شركةٍ ما.

كثيرًا ما يكون التبرير الأساسيُّ لمثل هذا النموذج الذي يُظهِرُ بعضَ التنازُل في إدارة الكنيسة أنَّه فعَّال؛ لأنَّ شخصًا واحدًا أو قلَّةً قليلة يتَّخذون القرار دون الحاجة إلى إشراك أعدادٍ كبيرةٍ من الأشخاص في اجتماعات اللجان أو العمل. ويجب بالتأكيد أن تُرحِّبَ الكنيسةُ بمبادئ العمل السليمة، وألَّا تكون الحالةُ الملائمةُ هي وسيلةَ توجيهِ النِّظام الأساسيِّ في الكنيسة.

ربَّما يبدو أنَّ نموذجَي الرئيس التنفيذيِّ ومجلس الإدارة فعَّالان، لكنَّهما كثيرًا ما يقودان إلى صراعٍ مدمِّرٍ في الكنيسة المعمدانيَّة. تنشأ أغلبيَّة الصراعات في الكنيسة بسبب مسألةِ القيادة، وينفجر الكثير منها عندما يُحاول أحدُ الرُّعاة السيطرة على الأمور، وغالبًا ما تنتهي هذه الصراعات برحيلِ راعي الكنيسة. وتحدُث الانقسامات في الكنيسة بسبب هذه المشكلة التي لا تتركَّز دائمًا في شخصٍ أو مجموعة، لكنَّ السببَ الأساسيَّ هو محاولةُ إضعاف الإدارة الجماعيَّة للكنيسة.

قد لا يأتي التحدِّي الذي يُواجه الإدارة الجماعيَّة للكنيسة منَ الرُّعاة أو الشَّمامسة أو الشُّيوخ الذين يحوزون سُلطة، بل من أعضاءٍ قليلين في الكنيسة يكتَسِبون سُلطةً كبيرة. عندما يُسيطرُ عددٌ قليلٌ منَ الأعضاء على الكنيسة، تُواجه الإدارة الجماعيَّة للكنيسة إرباكاتٍ عدَّة.

بعض العوامل الأساسيَّة التي تُضعف الإدارة الجماعيَّة للكنيسة

يُشير متابعو الكنائس المعمدانيَّة إلى عواملَ أُخرى تُسهِم في فَشَلِ تحقيق النموذج المثاليِّ الذي يُقدِّمه الكتاب المقدَّس للإدارة الجماعيَّة للكنيسة، وقد يكون العامل الأساسيُّ هو عددَ أعضاء الكنيسة غير الناضجين في النموِّ المسيحيّ؛ إذ تعتمدُ الإدارة الجماعيَّة الفاعلة للكنيسة على جماعة المؤمنين التي تتألَّفُ ليس فقط ممَّن فداهم المسيح، بل أيضًا ممَّن يتمتَّعون بنُضج صحِّيٍّ في المسيح. لن يستطيعَ الأشخاص الذين لم يتمتَّعوا باختبار الخلاص بالنعمة بالإيمان تجسيد الصفات الضروريَّة للمشاركة الفاعلة في الإدارة الجماعيَّة للكنيسة، كالمفهوم الكتابيِّ لكهنوت المؤمنين، والمقدرة الممنوحة للنَّفس. فضلًا عن أنَّ الذين لم يختبروا النموَّ المسيحيَّ والتلمذة بطريقةٍ هادفة (1كورنثوس 3: 1-14) قد يفتقرون أيضًا إلى توجُّه الخادم الذي يلتزم التزامًا عميقًا مسألةَ اتِّباع يسوع ربًّا (فيلبِّي 2: 5-11). وتتطلَّبُ الممارسة الفاعلة للإدارة الجماعيَّة للكنيسة أن يتمتَّعَ الأشخاص برغبةٍ في اتِّباع مشيئةِ المسيح للكنيسة، ويطلبوا الرؤيةَ والحكمةَ من الكهنة المؤمنين الآخرين.

علاوةً على ذلك، يؤدِّي الفتور وعدم المبالاة أيضًا إلى إضعاف الإدارة الجماعيَّة للكنيسة بسبب الحضور القليل لاجتماعات العمل وغيرها من مهمَّات الإدارة الجماعيَّة للكنيسة، وتخلق هذه المشاركة الضعيفة فراغًا يسمح لهؤلاء الذين يرغبون في المشاركة بصورةٍ أكبر بالسَّيطرة على حياة الكنيسة.

قد يكون العامل الآخر الأساسيُّ في ضعف المشاركة الحقيقيَّة في الإدارة الجماعيَّة للكنيسة هو أنَّ الكثيرين ببساطةٍ لا يفهمون طريقةَ عملها. فقد تسبَّب عدم تعليم العقائد المعمدانيَّة والنظام الأساسيِّ في جَهْل الكثيرين بطريقةِ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة، وسبب اتِّباع هذا الأسلوب من الإدارة.

لماذا تُعدُّ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة مهمَّة؟

سببٌ آخر لفشل الأشخاص في بَذْل الجهود اللازمة لرؤية أنَّ الإدارة الجماعيَّة تُؤدِّي عملَها في الكنيسة، هو أنَّهم لا يَضَعون في الحسبان أنَّ الأمر مهمّ، لكنَّ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة هي أمرٌ غاية في الأهمِّيَّة؛ لأنَّها تُخبرنا بالكثير عن المعتقدات الأساسيَّة للكنيسة. مثلًا، عدم اتِّباع ما نعتقد أنَّ الكتاب المقدَّس يعلِّمه عن النظام الأساسيِّ للإدارة يُعدُّ تشكيكًا في التزامنا تُجاهَ سُلطة كلمة الله وتمسُّكنا بها، ويُمكن أيضًا أن يُظهِرَ الافتقار إلى الإدارة الجماعيَّة أنَّ الكنيسة غير ملتزمةٍ تُجاهَ مبدأ المقدرة الممنوحة للنَّفس، وكهنوت جميع المؤمنين؛ لأنَّ إدارة الكنيسة مِن شخصٍ أو قلَّةٍ مِن الأشخاص تُعطِّلُ هذه العقائد الأساسيَّة.

من المؤكَّد أيضًا أنَّ الإدارةَ الجماعيَّة للكنيسة مهمَّةٌ لنموِّ الأعضاء والوصول إلى النُّضج المسيحيّ، وعدم ممارستها يُمكن أن يَعوقَ النموَّ الروحيَّ للكهنة المؤمنين بسبب إهدار فرصِ ممارسةِ المقدرة الممنوحة للنَّفْس والكهنوت. في حين تمكِّنُ المشاركةُ الكاملةُ لكلِّ الأعضاء في حياة الكنيسة كلَّ عضوٍ على حِدةٍ أن يُنمِّيَ سِماتِ الخدمة التي أعطاه الله إيَّاها (أفسس 4: 1-15). ويُفيدُ هذا النموُّ ليس فقط العضو بمفردِه، بل يُفيدُ الكنيسةَ كلَّها.

هكذا يتَّضحُ أنَّ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة مهمَّة؛ لأنَّها قد تُسهِم في حيويَّة الكنيسة ونشاطها. وبسبب شعور الأشخاص بالملكيَّة، من المحتمل أن يكونَ أعضاء الكنيسة أكثر مسؤوليَّة، وتُسهِم مشاركتهم في اتّخاذ القرار في تنشيطهم للمساعدة في تنفيذ مثل هذه القرارات. فضلًا عن ذلك، تُعدُّ الإدارة الجماعيَّة للكنيسة مهمَّةٌ للمجتمع عمومًا، وليس الكنيسة وحدها؛ فالمشاركة في العمليَّات الديمقراطيَّة لمثل هذه الإدارة تُسهِم في إعداد المؤمنين للمشاركة في الديمقراطيَّة السياسيَّة. في الواقع، تُدين الديمقراطيَّة السياسيَّة (في الحضارة الغربيَّة) بالكثير للمفهوم المعمدانيِّ عن الإدارة الجماعيَّة للكنيسة.

قال بعض المؤرِّخين إنَّ الإدارةَ الجماعيَّة للكنيسة ظهرَتْ في الوقت الذي كانت فيه الحضارة الغربيَّة تشهدُ تحرُّكًا نحو الديمقراطيَّة في الحياة السياسيَّة، وهكذا جرى تأكيد أنَّ الديمقراطيَّة المعمدانيَّة ببساطةٍ تعكسُ الديمقراطيَّةُ العَلمانيَّة وليسَتْ مكوِّنًا أساسيًّا في حياة الكنيسة.

لكنْ لا تستندُ الإدارةُ الجماعيَّة للكنيسة المعمدانيَّة إلى الديمقراطيَّة العَلمانيَّة، بل إلى تعاليم الكتاب المقدَّس. في الواقع تُدين الديمقراطيَّة السياسيَّة بالكثير للمفاهيم الروحيَّة للمعمدانيِّين والآخرين ممَّن يُدافعون عن الحرِّيَّة والحقوق والمسؤوليَّات الفرديَّة على أساس الحقِّ الموجود في الكتاب المقدَّس. مثلًا، كَتَبَ أحدُ المؤرِّخين في القرن التاسع عشر أنَّ توماس جيفرسون، واضعُ إعلان الاستقلال، حضرَ أعمالًا واجتماعاتٍ أُخرى في الكنيسة المعمدانيَّة بالقرب من منزله، ولاحظَ الديمقراطيَّة العاملة، واعترف بأهمِّيَّة المعمدانيِّين في تنمية الديمقراطيَّة الأميركيَّة.

وسائلُ تعزيز الإدارة الجماعيَّة للكنيسة

ما دامَتِ الإدارةُ الجماعيَّة للكنيسة مهمَّةً وضروريَّةً للهُوِيَّة المعمدانيَّة وصحِّيَّةً للكنيسة والأفراد والمجتمع، فيجب اتِّخاذ خطواتٍ لتعزيز هذه الإدارة الجماعيَّة، ويُمكن اقتراح وسائلَ عدَّة مثل:

عليك أن تُجاهدَ للحفاظ على عضويَّة الكنيسة حتَّى تتكوَّن من أشخاصٍ متجدِّدين وناضجين روحيًّا، وتركِّز تركيزًا كبيرًا على الكرازة والنُّضج المسيحيّ، وتُصلِّي لأجل مشاركةٍ صحِّيَّةٍ لجميع الأعضاء في إدارة الكنيسة، وتجتهد أنْ تعلِّمَ الأعضاءَ أهمِّيَّةَ الإدارة الجماعيّة للكنيسة وعلاقتها بالمعتقدات المعمدانيَّة الأُخرى، وطريقة تنظيم الكنيسة المعمدانيَّة وعملها. ويجب أن تتضمَّن الدورات التدريبيَّة التي تُقدَّم إلى العضو الجديد هذه المعلومات، ولا بدَّ من تأكيد أنَّ عمليَّة اختيار راعي الكنيسة والشَّمامسة هي في إطار الإدارة الجماعيَّة للكنيسة وكهنوت المؤمنين والمقدرة الممنوحة للنَّفس.

يقرُّ الجميع بأنَّ الكنائس، ولا سيَّما التي فيها أعضاء كثيرون، قد تُواجه تحدِّياتٍ خاصَّةً في إشراك جميع الأعضاء في الإدارة الجماعيَّة للكنيسة. لكنْ يمكنُ إشراك الأشخاص في المجموعات واللجان، وتفويض قراراتٍ معيَّنة لهذه المجموعات، وعَقْد اجتماعات عملٍ يُمكن فيها أن يُعبِّرُ جميعُ الأعضاء عن أنفسهم بالتَّصويت، ويساعدُ هذا في الحفاظ على أُسس الإدارة الجماعيَّة للكنيسة.

الخلاصة

ترتبط الإدارة الجماعيَّة للكنيسة ارتباطًا وثيقًا بالمعتقدات المعمدانيَّة الأُخرى التي تستند إلى الكتاب المقدَّس. وكلُّ معمدانيٍّ يُمكن أن يؤدِّيَ دَورًا ليس فقط في الحفاظ على قناعته بها، بل أيضًا في تعزيزها.

‘‘مع أنَّ المعمدانيِّين يتمسَّكون بقوَّةٍ وبصورةٍ تقليديَّةٍ بمفهوم الإدارة الجماعيَّة للكنيسة، فإنَّهم يُواجهون تهديدات تتعلَّق بالممارسة المستمرَّة لهذا النوع من الإدارة وفعَّاليَّتها، سواء خارج العائلة المعمدانيَّة أم داخلها’’.
إبي سميث
اقتباسٌ من ‘‘معتقدات مهمَّة للمعمدانيِّين’’